مقالات
أخر الأخبار

النساء في عيون عدو المرأة توفيق الحكيم

من اجمل المقالات التي كتبت عن توفيق الحكيم

ولد توفيق الحكيم لأب مصري وأم تركية وظلت والدته تعزله عن أترابه في صغره بسبب عدم رغبتها في احتكاكه بأبناء الفلاحين، ولم يتسنح له الفرصة لذلك إلا بعد التحاقه بمدرسة في دمنهور، ومن ثم وصوله إلى الإسكندرية للالتحاق بكلية الحقوق، إذ كان لمكوثه مع أعمامه وعمته أثرٌ على حياته، وفيها تعرف على فتاة ولكنه أخفق في الظفر  بحبها، فبدأت تظهر فيه مواهبه الأدبية وحبه للشعر والموسيقى، ومن ثم اتجه إلى فرنسا للدراسات العليا، ولكنه بدأ يميل إلى الأدب والمسرح بالذات لأنه كان يريد لنفسه الحرية في النظر إلى القضايا من منظور ذاتي بحت، وهكذا كان لكل ذلك أثر في تكوين شخصيته ونبوغه في مجال الأدب.

إننا ومن خلال المسرحيات التي عرضها الحكيم على بساط الأدب العربي، نجد أن موضوعاتها كانت عبارة عن آراء ومواقف شخصية لتوفيق الحكيم تجاه العديد من القضايا التي كانت تشغل باله من حين لآخر، وهي بحد ذاتها كانت تحتل مساحة واسعة من أفكار الجيل المثقف أيضاً نحو النظر إلى الوضع الاجتماعي والسياسي والإنساني لأبناء جلدته من جوانب وزوايا مختلفة، وسعيه إلى توظيف لغته في التعامل مع اهتمامات وتطلعات المجتمع بكل واقعية وبأسلوب منطقي، ناهيك عن القضايا الأخرى التي جذبت أنظاره أسوة بغيره من الأدباء والكتاب مثل العادات والتقاليد الشائعة آنذاك، وسفور المرأة وتفشي الفساد الخلقي والمالي في المجتمع المصري، والحركات الجديدة التي كانت تطالب بحرية المرأة.

ومن المسلمات أن المرأة قد احتلت مساحة كبيرة واهتمامات جادة من قبل الشارع المصري والعالم العربي بشكل عام ناهيك عن العالم بأسره بل لا تزال قيد البحث والنقاش إلى يومنا هذا، فكان للبيئة التي عاش وتنقل فيها الحكيم دور كبير في تنويع أفكاره وتعزيز مفاهيم الدين لديه والاطلاع على محاسن الشرق والغرب ومثالبهم بعين الناقد الموهوب، وبالتالي، كانت له جولات وصولات في هذا الصدد؛ حيث سنسعى إلى التصدي لها من خلال هذه السطور عسى أن تنفع كل من يجد فيها غايته وسبيله في تعزيز مكانة المرأة والحفاظ عليها من الوقوع في فخ الغرب، لأننا لا نزال نرى آثارها السلبية في حياتنا اليومية.

لقد كانت بداية الحكيم حكيمة في ضوء مسرحياته فيما يخص آراءه وأفكاره عن المرأة عام 1923م، وذلك عندما ظهرت مسرحيته باسم: “المرأة الجديدة”، والتي أظهر فيها قلقه من آثار سفور المرأة في فكرة الزواج لدى الشباب، وتداعيات هذا الاختلاط في العلاقات الزوجية وانعكاسها على حياة الأسرة بشكل عام، لأن المرأة ما دامت قد خرجت لهم سافرة، وأصبح الاتصال بينهما في متناول اليد، فإن ذلك من شأنه أن يعمل على إخماد رغبة الاتصال بين الطرفين عن طريق الزواج، كما كان الخوف والقلق من السفور في الأسرة، واختلاط زوج هذه بزوجة ذاك أو بغيرها، أن يؤدي الأمر بانهيار الحياة الزوجية.

فمسرحية “المرأة الجديدة”،هي ذات طابع هزلي وكوميدي، وهي ليست إلا عبارة عن مرآة صادقة لمشاعر الحكيم ومدى تخوفه وقلقه من إمكانية ظهور آثار سلبية جراء سفور المرأة السائد، إذ ظهرت في تلك الأيام حركات تدعو إلى حرية المرأة واستقلالها على حسب ما يزعمون – مع أن الواقع هو غير ذلك، لأنه كان وراء هذا التمكين أو الحرية المزعومة أهداف ومقاصد محددة تكمن في إبعاد المرأة العربية من موقعها الأصلي وتفكيك نظام الأسرة في المجتمع العربي وبالتالي، تعميم الفساد الأخلاقي والذي لا يؤذن إلا بخراب منتشر في جميع مجالات الحياة فضلاً عن انتشار هذا الداء في جميع أعضاءه فتشل حركته وتنطوي صفحته.

ومن الأهمية بمكان أن الحيكم قد وُصف بأنه عدو للمرأة وخاصة عندما ظهر له مقال في جريدة “أخبار اليوم”، بعنوان: أنا عدو المرأة والنظام البرلماني، لأن ذلك أثار حفيظة النساء في مصر، حتى أنكرت المرأة المصرية المتحضرة أفكاره وألقت عليه التهمة بالتخلف والرجعية، وعلى رأسهن، زعيمة الحزب النسائي، هدى الشعراوي، مع أن الحقيقة كانت عكس ذلك، لأن المرأة قد حازت لدى الحكيم مركز الصدارة من حيث أهميتها في ضوء مسرحياته، ولعل موقفه من المرأة ومن عديد القضايا الحساسة ناتج عن رؤية فردية أخلاقية عند الحكيم، لم ترق إلى الرؤية الاجتماعية الموضوعية للظاهرة.

وفي مسرحية “أمام شباك التذاكر” والتي كانت عبارة عن قصة حقيقية مرّ بها الحكيم في فرنسا، حاول أن يعرض أحداثها على العالم العربي، وهي الأحداث التي دارت بينه وبين بائعة التذاكر في المسرح، فضلاً عن قصة الحب التي نشأت بينه وبين فتاة مغتربة في فرنسا، وفيها تلميحات إلى أن سفور المرأة وسعيها لمجاراة الرجل في كل أنشطة الحياة حتى في اختيارها لشريكها ليس شريك العمر بل لقضاء فترات معينة معه لا يترتب عنها إلا آثار سلبية على المجتمع، والذي أبدى تخوفه وقلقه منها في عدد من مسرحياته ورواياته.

لقد ظلت المرأة محور كتابات الحكيم، حيث نجده أنه يصف تضحيتها بحياتها في مسرحية “أهل الكهف”، ويثني على ذكائها الحاد في مسرحية “شهرزاد” وكيف أنها جعلته يتحير ويتلدد بين المرأة في الواقع والمرأة الخيالية في مسرحية “بيجماليون”، كما نجده يثني على المرأة ويطلب منها التثقف والعمل والكفاح، ولكن الذي كان يعارضه هو محاكاتها الرجل في جميع الأمور، مع أن الخالق لم يمنحها هذه الصفة فكيف فيمن يخالف الفطرة الإنسانية، وهذا ما يتضح من خلال مسرحية “الرباط المقدس”، أما في مسرحية “ميلاد بطل”، فإنه رسم صورة جميلة للمرأة المثالية، وكيف أنها تتطوع لأجل تمريض جرحى الحرب، لأنها تؤمن بضرورة القيام بما عليها من واجبات ومسؤوليات تجاه المجتمع، وهذا ما أيّدته الشريعة الإسلامية في السماح للمرأة نحو سقاية العطشى ومداواة الجرحى وما إلى ذلك. وعليه، نجد أن الحكيم يرى في أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، نموذجاً للمرأة المثالية والتي يجب أن يقتدى ويحتذى بها في جميع شؤون الحياة؛ حيث إنها تكبدت الكثير لأجل تأييد الرسالة المحمدية، وفتحت قلبها له ونثرت أموالها لأجل الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث يقول عنها: “ظلّ مكانها من قلبه دائماً، لم تستطع إمرأة أن تزاحمها فيه … هذا هو حب محمد صلى الله عليه وسلم الأول … وتلك ناحية من نواحي الفضل المجهولة التي لم يذكرها الناس لخديجة بما هي أهله من التكريم والتمجيد، إنها أول امرأة علّمت محمداً الحب .

ولإلقاء مزيد من الضوء على موقف الحكيم تجاه المرأة، إليكم ما يقوله عن موقفه من المرأة: “إن موقفي من المرأة لم يتغير على الإطلاق في أي مرحلة من مراحل العمر، وإن هناك فرقاً بين شعوري الخاص نحوها وشعوري العام، فشعوري الخاص نحو المرأة تجده في كل ما كتبت شعور المحبة أو ما هو أكثر من المحبة، أما شعوري العام من المرأة باعتبارها تطالب في المجتمع بوظيفة تشابه وظيفة الرجل تماماً، فهذا ما أخالفها فيه، ولم تتغير طبيعة هذا الخلاف منذ مسرحية “المرأة الجديدة” حتى اليوم إلا قليلاً جداً”.

ومن هذا المنطلق، نجد أن الحكيم ينظر إلى المرأة بعين الاحترام والتقدير ولكنه يشترط في ذلك ألا تتجرد عن أنوثتها، وألا تتجاوز الحدود التي سمحته لها الشريعة الإسلامية، وألا تعارض الأعراف والأقدار الإنسانية، لأنه يرى ضرورة أن تكون المرأة على قدر من الثقافة وأن لا يتم الإحالة بينها وبين الثقافة نهائياً، فهي المعلم الأول والجيل مرهون بتربيتها تربية سليمة، وبالتالي نجده يقارن في بعض الأحيان بين المرأة الشرقية والمرأة الغربية ويجد أن المرأة الشرقية تفتقر إلى التحلي بالثقافة والعلوم ولكن المرأة الغربية تنسلخ عن أنوثتها فتصبح كئيبة وقلقة غير راضية عن حياتها، لأنها تخلت عن أهم شيء في حياتها بسبب سفورها ومحاكاتها للرجل في جميع مجالات الحياة.

وخلاصة القول، اكد الحكيم، ومن خلال مسرحياته حثّ العالم العربي بالذات على التطلع إلى الأمم التي أحرزت قصب السبق في مضمار الحياة وخاصة البلدان الغربية ولكن يجب عليه أن يحذر كل الحذر من مغبة الغوص بشكل كلي في اتباع طرقهم لأن المادية كانت تسيطر عليهم بشكل كبير، وبالتالي، يحث على ضرورة التمسك بالروح الشرقي والتقاليد العربية والإسلامية لأجل إصلاح المجتمع من الداء المتفشي في المجتمع، وهذا ما يتضح من خلال تعرضه للمرأة وقضيتها في عدد من مسرحياته بأسلوبه المميز لأجل حثها على عدم محاكاة الرجل وتفادي مغبة الانقياد للغرب في تماديهم على الفطرة فقط لكن لم يقلل من مكانة المرأة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى